إذا كنتَ جادًا في دخول عالم التحليل الفني والتداول، فدعني أخبرك بالحقيقة من البداية ، إنك لن تجد نقطة انطلاق أفضل من نظرية داو.كل مدرسة تحليل فني، وكل نموذج على الشارت، وكل مؤشر تقني يعود بجذوره إلى نظرية داو. من نماذج إليوت وحتى أدوات الزخم الحديثة. في موقع مرشد التداول نضع بين أيديك نحرص دومًا على تبسيط المعلومة للقارئ دون المساس بجودتها، فما هي نظرية داو؟ وماهي مبادئها الستة؟ ومن هو مؤسسها؟ هيا نبدأ.
ولد تشارلز داو Charles Dow عام 1851، وعمل صحفيًا اقتصاديًا في الولايات المتحدةل لم يكن داو خبيرًا ماليًا بالمعنى المعروف، بل كان صحفيًا شغوفًا بالأسواق. شارك داو سنة 1889 في تأسيس واحدة من أعظم الجرائد المالية في العالم، وهي صحيفة وول ستريت جورنال.
ولم تتوقف إنجازاته عند الصحافة؛ بل أسّس مؤشر داو جونز الصناعي، الذي يُعد حتى اليوم أحد أهم مؤشرات السوق الأمريكية. أما إرثه الأهم، فكان تقديم نظرية داو، التي ظل اسمُه بها خالدًا حتى بعد وفاته في 1902، حيث أكمل تلاميذه وعلى رأسهم روبرت ريا Robert Rhea توثيق أفكاره في كتب تحليلية متخصصة وبلورها في شكلها الحالي.
انبثقت نظرية داو Dow Theory من فرضية صاغها تشارلز داو Charles Dow خلال مسيرته في الصحافة الاقتصادية حيث لاحظ داو أن الأسواق لا تتحرك بعشوائية، بل تسلك نمطًا منتظمًا أي أنها تسير في اتجاهات Trends تتأثر فيه الأسعار بالأخبار والتوقعات بطريقة منهجية وإن استطعتَ أن تحدد هذا الاتجاه مبكرًا، فستملك مفتاح القرار الاستثماري الصحيح.
فتحت نظرية داو الباب أمام ظهور مدارس تحليل فني كاملة. فبمجرّد أن طرح تشارلز داو Charles Dow فكرته حول أن السوق يتحرك في ثلاث اتجاهات، بدأت تتبلور نظريات مثل إليوت Elliott Wave ووُلدت لاحقًا نماذج الهارمونيك Harmonic Patterns التي ترى في الرسم البياني أشكالًا هندسية داخل الاتجاهات. حتى أدوات اليوم مثل مؤشرات الزخم RSI وMACD،ليست سوى امتداد لما لاحظه داو قبل أكثر من قرن
صاغ تشارلز داو نظرية متكاملة تقوم على ستة مبادئ رئيسية توضح كيف يتحرك السوق، ومتى يتغيّر الاتجاه، وما العوامل التي تؤكّد هذا التغيّر. تنطلق هذه المبادئ من ملاحظات دقيقة للسوق وتُعد حتى اليوم مرجعًا أساسيًا في التحليل الفني. نبدأ الآن بشرح كل مبدأ منها على حدة.
بساطة كل شيء يحدث في السوق من أحداث سياسية أو اقتصادية أو جغرافية أو حتى شائعات ينعكس بشكل مباشر على حركة السعر في السوق.فحين تنظر إلى الرسم البياني chart، فأنت لا ترى مجرد خطوط أو شموع، بل ترى انعكاسًا حيًا لكل معلومة تم تداولها، وكل خبر تم تسريبه وكل حدث وقع.
خذ مثلًا ما حدث في عام 2021 مع البيتكوين، حين أعلن إيلون ماسك عن استثمار شركته Tesla في البيتكوين بقيمة 1.5 مليار دولار. هذا الخبر، قبل أن تصل تفاصيله إلى الشاشات، كان السوق قد بدأ بالفعل بالتفاعل معه من خلال موجة صعود قوية حيث قفز السعر من نحو 20,000 دولار إلى قرابة 63,000 دولار. وبالنظر إلى الشارت، بدا وكأن السوق "توقّع" هذه الخطوة قبل الإعلان عنها رسميًا.
يرى داو أن لكل سوق ثلاثة أنواع من الاتجاهات:
خذ مثال البيتكوين من عام 2015 إلى 2021، كان الاتجاه الأساسي صاعدًا. لكن خلال هذه الفترة، شهدت العملة تصحيحات قوية (اتجاهات ثانوية)، وفي بعض الأحيان هبوطًا يوميًا أو أسبوعيًا (اتجاهات طفيفة)، لكن الهيكل العام بقي صاعدًا.
قسّم داو أيضًا كل اتجاه إلى ثلاث مراحل:
رفض "داو" اتخاذ قرار بناءً على مؤشر واحد فقط. وأصرّ على أن الاتجاه لا يُعتمد عليه إلا إذا أكدته مؤشرات متعددة. لم كن يقصد المؤشرات الفنية مثل RSI أو MACD، بلكان يقصد بذلك المؤشرات الاقتصادية، مثل:
الفكرة بسيطة، إذا كان الاقتصاد في حالة صعود حقيقية، فلا بد أن ترتفع أرباح الشركات الصناعية، وبالتالي ترتفع أسهمها، مما يدفع مؤشر DJIA للصعود. وبما أن المنتجات يجب أن تُنقل، فإن شركات النقل ستربح كذلك، مما يدفع DJTA للصعود أيضًا.
لكن ماذا إذا صعد أحدهما دون الآخر؟ سيكون هنالك تضارب أو ضعف في الاتجاه، ولا يمكن اعتبار ما يحدث اتجاهًا موثوقًا فإذا ارتفع المؤشر الصناعي، وارتفع معه مؤشر النقل، فهذا تأكيد على قوة الاقتصاد. أما إذا تعارض الاتجاهان، فالأرجح أن ما يحدث في السوق مجرد ضوضاء مؤقتة.
أكد "داو" أن الاتجاهات الحقيقية لا تتشكل بدون دعم من حجم تداول كبير. فعندما يرتفع السعر ويصاحبه تضاعف في حجم التداول، فهذه إشارة قوية بأن الاتجاه مستمر.
أما إذا ارتفع السعر بحجم تداول ضعيف، فقد يكون ذلك نتيجة مضاربة مؤقتة، أو قفزات سعرية غير مستدامة.
في أسواق الفوركس، تُصعّب طبيعة السوق اللامركزية من معرفة حجم التداول الحقيقي، لذلك نلجأ إلى مؤشرات الزخم مثل:
كثير من المتداولين يقعون في هذا الفخ، قد يعتقدون أن السوق سيعكس اتجاهه لمجرد أنه توقف قليلًا أو صحح بنسبة بسيطة. وهذا خطأ قاتل.الاتجاه، سواء صاعدًا أو هابطًا، يستمر ما لم تظهر إشارات فنية واضحة على تغيّره، وأهم هذه الإشارات هي:
وبالتالي، لا تحكم على الاتجاه من شمعة أو اثنتين. انتظر تأكيدات هيكلية واضحة على الرسم البياني (مثل Lower High + Lower Low أو Higher Low + Higher High).
التحليل النظري لا يكتمل دون رؤية المبدأ في ميدانه، حيث اثبتت نظرية داو فاعليتها في أسواق متعددة، من الأسهم إلى العملات، حتى في عالم الكريبتو. دعونا نستعرض كيف تتجلّى هذه النظرية عمليًا في ظروف السوق المختلفة.
والآن نستعرض وإباكم باختصار أهم الأمثلة العملية لنظرية داو
في 2021، غيّر إيلون ماسك Elon Musk مشهد السوق بتغريدة واحدة وإعلان شراء Tesla لبيتكوين بـ1.5 مليار دولار.
فما النتيجة؟ لقد قفز السعر بشكل فوري. هذا الحدث يُجسد بدقة مبدأ داو: "السوق يعكس كل شيء، حتى التغريدات."
السوق لم ينتظر البيانات الرسمية، بل استجاب فورًا للخبر في مشهدٍ حيّ يعكس قوة التفاعل بين العوامل النفسية والاقتصادية.
رغم عراقتها وأصالتها، ليست نظرية داو معصومة عن النقد. لكل نظرية أدواتها وحدودها، ولا بد من معرفة نقاط ضعفها لتطبيقها عن فهم، وإليك اهم انتقادين تم توجيههما إلى نظرية داو
نظرًا لأن داو اشترط تأكيد الاتجاه قبل الاعتراف به، فإن إشارات الدخول والخروج تأتي بعد أن يتحقق جزء كبير من الحركة. غالبًا ما يخسر المتداول ما يقارب 20–25% من الاتجاه في البداية والنهاية. النظرية ليست تنبؤية بل تأكيدية وهذا سلاح ذو حدين.
أسس داو نظريته على سوق الأسهم الأمريكي، حيث تتوفر بيانات دقيقة ومنظمة، خاصة لحجم التداول. لكن في أسواق مثل الفوركس أو الكريبتو، لا يوجد حجم تداول مركزي، مما يُضعف بعض تطبيقات النظرية أو يضطرنا لاستخدام بدائل مؤشرات الحجم.
حجم تداول شهري يقوق 4.5 تريليون دولار.